أيها العربي ....أتعرف من أنت؟!
لم أشَأ لهذه الكلمات القليلة أن تكون مقالة أدبية، تزخرُ بالكناياتِ، ويملؤها البَديع.... بل أردتها صيحة تـَطرُقُ كل سمعٍ، لعلها توقظ نائمًا، و تـُنبِّهُ غافلاً.
أتدري من أنت؟ اِبْقَ معي أقـُلْ لك من أنت.
لقد خلق الله هذه الأرض و جعل عليها الناس شعوبًا و قبائل، أعراقـًا و ألوانـًا مختلفة متباينة، و لمَّا أراد جل جلاله أن يُبَيِّن لهم ما يحييهم على هذه الأرض، خاطبهم بلسان واحد عربي مبين على اختلاف ألسنتهم، فلماذا؟
اقرأ الجواب إن شئت في قوله تعالى: {.... وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (103) سورة النحل
نعم، هذه اللغة تمتاز بقوة بيانها وسِحرها و دقتها، و لذلك يستطيع الناطق بها أن يشرح ما يريد بأدق الدقائق، و بجلاء و وضوح لا تتيحه اللغات الأخرى.
قال جوستاف جرونيباوم "... وما من لغة تستطيع أن تـُطاولَ اللغة العربية في شرفها ، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحملَ رسالة الله النهائية ، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان ، أما السِّعة فالأمر فيها واضح ، ومن يتتبع جميع اللغات لا يجد فيها -على ما سمعته- لغة تضاهي اللغة العربية"
ثمة مقياسٌ لمعرفة قدرةِ لغة ما على موازاة لغة أخرى، و هو "الترجمة و الترجمة العكسية" إن صح التعبير، و يقوم على أن تترجمَ كلمة ً من اللغة الأولى إلى اللغة الثانية، ثم تترجمَ الكلمة التي حصلتَ عليها في اللغة الثانية إلى الأولى، فإن عـُدتَ إلى الكلمة الأصلية، يعني ذلك توازي المفردتين من اللغتين تمامًا، و مثاله كما قال عالم اللغة الكونية الدكتور سعيد الشربيني ما يلي:
ترجِمْ كلمة "الحمد" إلى اللغة الإنكليزية، فلن تجد إلا كلمات لو أعدتَ ترجمتها إلى العربية، لكتبت "الشكر" أو "الثناء" و لكن للحمد معنى آخر يختلف عن الشكر و الثناء، تعجز عن تقديمه الإنكليزية بكلمة واحدة.
هلا سمحت لي أيها الفاضل أن أقرأ على مسامعك هذه الآية:
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (3) سورة فصلت
ألم تحِسَّ بشيء في قلبك؟
ألم تخجلْ مثلي من أن يختار الله اللغة العربية لتفصيل آياته ثم نـُعرضُ عنها؟
قد خاطب الله البشرية كلها بلسانك أيها العربي، لا ليرفع منزلتك و أنت نائم، بل لتسْمُوَ أنت بِحَمل هذه الرسالة، و أنى لك ذلك و أنت تستخزي بلغتك، و تبحث عن الدفء في عُجْمَة اللغات الهزيلة المُتهالكة؟
أيها العربي... هل عرفت أيَّ كنز حباك الله جل جلاله؟
إن مَثـَلَ من يقول بِعَجْز اللغة العربية عن قيادة العلم الحديث، كمثل من رَكِبَ سيارة حديثة فارهة، و هو لا يعرف كيف يُشَغلها فضلاً عن تحريكها إلى غايته، فجلس ينتظر، ثم أصابه الملل، فنزل و هو يشتم تلك السيارة العاجزة، ثم بحث له عن دراجة هوائية يطلب بها مبتغاه، فيصيبُه الحَرُّ والقـَرُّ، و إذا صادف مرتفعًا حَمَلهَا و لم تحمله.
كذلك فإن عَجْزَنا عن فـَهْمِ لغتنا، كان بسبب تقصيرنا في دراستها، و الغوص في بحارها، و تـَعَلـُّمِ أسرارها. فالسيارة الحديثة هي اللغة العربية، و لكنها لا تسير إذا لم نتعلم قيادتها!
يقول حافظ إبراهيم بيتـًا من الشعر بلسان اللغة تخاطب العرب، ويحفظه الجميع، ونتخذه للتأوُّهِ فحَسْب، و لا يعمل بمقتضاه إلا القليل:
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كامنٌ...فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
أيها العربي، لقد أراد الله منك أكثر مما تتصور، و رفع شأنك أكثر مما يخطر ببالك، و لذلك جعل قرآنه عربيًا مثلك، فانهض، و تعـَلمْ لغتك تـَسْمُ بها، و امسَحْ العُجمَة عن لسانك، ولا يغلِبَنَّك اليأس، و لو بقِيَ من العُمرِ ساعة، فتموت و أنت تطلب لغة القرآن، تـَعَبُّدًا و تقربًا إلى الله تعالى.
لقد خـُلقتَ لشيءٍ لو فطنتَ له...فـَارْبَأ بنفسك أن ترْعَى مع الهَمَلِ
أعرفت الآن من أنت؟!