خلدت للنوم هذا المساء مبكرة كعهدي بعد ان اوصدت باب البيت جيدا واطفأت انواره ...وما ان اسلمت راسي لوسادتي واسلم لساني وقلبي بالشهادتين
حتى وغفوت دون ان اشعر بما يجري حولي .....لا ادري كم مضى من الوقت على نومي حتى شعرت بثقل على صدري منعني من التنفس ...ثم يد غليضة
تهزني بعنف ..فتحت عيني فاذا برجل غريب في بيتي ...يرتدي سواد بسواد ...وقد اخفى وجهه الكريم بوشاح اسود ....خفت بسملت ....كدت اصرخ وقد اكون
صرخت لكن لم يسمعني احد مددت يدي الخدرة الى زوجي اوقظه لكنه لم يفيق هززته بعنف وناديته بصوت خائف خفيض
ابو مصطفى ...يا ابو مصطفى
لكنه لم ينتبه ...فنظرت الى الرجل الغريب ذو الوشاح الاسود بخوف فقال هامسا وان كان همسا فقد ارتعشت له فرائصي
لن يسمع
ثم وبلهجة امرة .............هيا معي
قلت الى اين ....؟......دعني اولا اضع غطاء راسي وارتدي ثيابي التي وضعتها
اليوم لا مجال لزينة ولا ملابس
قلت من انت ما الذي ادخلك بيتي دون استاذان دعني اوقظ زوجي ليحدثك
فناديت باعلى صوتي ابو مصطفى ....يا ابو مصطفى الغرباء في بيتنا
كان عاقد كل شيئ به ..عاقد يديه على صدره ....عاقد حاجبيه ...
نظرت بعينيه ...خفت ....خفت كثيرا .
فامسك بيدي وقال هيا معي فقد ان اوان السفر
قلت متوسله اليه الى اين ...وابنائي لمن اتركهم ....
قال يتولاهم الواحد الاحد الفرد الصمد
امسك يدي وقال سنقلع وشعرت بخفة وزني وانني اطير بل احلق في عالمي وكأنني ريشة بمهب الريح
اخترق الباب اولا دون فتحه فقلت هامسة كيف ذلك فلم يجيبني
فعلوت على البيت ثم العمارة .....ثم هذا المنتزه الذي قرب بيتي ببساطه الاخضر ....هذه مدينه العقبة كلها امامي
هذه مياه الخليج ....وقبالتها ارض فلسطين ...
كانت بعض الناس بثياب بيض تطير من حولي مرتفعة الى السماء الا انا بثوب نومي سالته قلت له
من هؤلاء ياسيدي
فسمعته هامسا
كم ثرثارة هي المرأة حتى بهذه المواقف
فقلت .....اجل هذه المواقف ....ما هي هذه المواقف
من انت
اين نذهب ا......
فوضع يده الثقيلة على فمي وقال
اصمتي
تحوقلي
هللي
استرجعي
هل ذاك ممكن ام يصعب على مثلك ذلك
قلت له ساسكت
يبدو انك تاخذني ..................
فقال
هو لكذلك
قلت ساتي
ثم وجدتني اقول
يارب
ياكريم
يا عظيم
يا قادر
ياذا الجلال والاكرام
دعني ارى اهلي وما حل بهم
سبحان الله وبحمده ....سبحان الله العظيم
رايت الارض ما اصغرها
بين سكون وهرج ومرج
سالت الله ان ارى امي وابي
فرايتهما يغطان بنوم عميق ...ثم تململ ابي فتوقفنا فوق بيته لعلي ارى ما هو فاعل
فقام من فراشه متباطئا فقلت للرجل ذو الوشاح الاسود
ارجوك سيدي دعني امد له يدي اعينه
ارجوك ارحم شيخوخته ووحدته دون ابنائه
فقال له رب سيتولاه
قام ابي يمشي ببطئ شديد متلمسا بذراعه الحائط ومر على غرف البيت وكأنه يبحث عنا الواحد تلو الاخر
فصرخت باعلى صوتي
ابي ....لاتخف علينا يا ابي ...
نحن جميعا بخير
لم يسمعني
عاد لغرفته
كم تمنيت بهذه اللحظة ان الثم يده واحتظن شيخوخته
فبكيت بحرقة وقلت للرجل ذو الوشاح الاسود
دعني اغطي ضلوعه
الا تراه انه متعب دوننا
وشعرت بنفسي اهبط
ثم اهبط
ثم اهبط
حتى لامست يدي غطاءه .
ورايت عينيه النرجسيتين وهو ينظر الي ثم قال
(الله يرضى عليك يا با ..وعلى اخوتك)
ثم علوت من جديد
وطرت مع من يطير من حولي
فشاهدت اختي الصغرى تبكي حالها وتقول لزوجها
الى متى سنبقى هكذا
فقال لها ما بالنا ؟
بلا وطن
بلا هوية
بلا ماوى
سكت واشاح وجهه عنها
ورايت نساءا يحملن قدور ماء على عاتقهن
فقلت للرجل
من هؤلاء
انهن نساء العراق
يحملن الماء في بلاد النهرين فقد عز عليهن
قلت لا
لا
لم نكن نملأ ماءا
فنظر الي معاتبا
فنظرت مجددا فرايت وجها طالما احببته قدرها المائي على راسها حوله صغار يبكون جوعا وبردا
من هذه
قال
انظري جيدا
انها
انها
جدتي ولكنها تبدو صبية في العشرين
كدت اصرخ
اناديها
ثم حلقنا بعيدا فرايت نسوة يفترشن العراء
قلت
من هؤلاء النسوة
قال
انظري جيدا ما مكتوب على اللافته
فحدقت جيدا فرايت كلمه واحدة
لكنها تعني كل الكلمات
غزة
نظرت اليه
ثم لاطفال غزة اليتامى
العرايا
ولوجوه نساء غزة فبكيت
بكيت
بكيت بحرقة
فقال
لاتبكي رحلة البكاء طويلة
فطرنا
فرايت حمامات ساكنات
هادئات
يهدلن بصوت حنون
قلت
يا لسكونهن
فقال
انظري تحتها جيدا
فرايت قبة
ثم مسجدا
الله اكبر
الله اكبر
هذا مسرى الحبيب
دعني سيدي اهبط فاصلي به
لا
رحلتنا طويله
ثم رايت كروما
بعدها
رايت شيوخا ونساء يفترشون ارضا خضراء وما يليهم بيوت عشوائية
من هؤلاء
وما البيوت خلفهم
هذا مخيم بلاطة
الله ياريحة بلادي ما ازكاها
هؤلاء صبيه لعبتهم حجارة
ومتنزههم سجون
من هؤلاء
اهل مخيم جنين
اهل الانتفاضة
وهذه وجوه كريهة نسائهم عرايا
ورجالهم بجدائل
يروحون ويجيئون
في حيفا
وسط حدائق غناء مطلة على البحر
ثم بعيدا بعيدا
بيوت تركها اهلها منذ اكثر من ستين عاما
وبقيت قائمه تنتظر اصحابها
نادتني
تعالي
تعالي
هذه بيت جدك
هذه مدرسة ابيك
وهذا النادي الذي لعب به صغيرا واخوته
هذه حكورتكم
تعالي
هذا المسجد
قلت بصوت متحشرج
اهذه قرية اجزم
هي لكذلك
فقلت باكية
دعني اهبط فازور قبر جدي الشهيد الذي لم يزره احد قبلي من عائلتي
ارجوك دعني
ولدنا برحم الغربه
ولدنا خارج رحم الوطن
ارجوك هذا ارثنا
قبر
وبقايا بيوت دارسة
وبقايا وطن
وذكريات
ارجوك دعني اصلي
له
لابناء وطني
للنساء للشيوخ
لاطفال بلا ماوى
لجدتي وماء على عاتقها تحمله
لاعمامي باصقاع الارض لم يتجمعوا
لاطفال غزة
لبغداد واهلها الطيبين
لابي الشيخ
لامي التي طوال ليلها تبعد بيديها عنها شئ ما
ارجو ك
دعني اهبط فاصلي لجدي الشهيد
الذي مات دون ارضه ولم يدفنه احد من اهله
فلا نعرف باي ارض مات
ولا اي قبر بين القبور قبره
جدي
ياجدي
نظر الي الرجل ذو الوشاح الاسود طويلا
هز راسه
يالثرثرتك
اهبطي
فهبطت
هبطت
هبطت
حتى لامست قدمي ارضي
فمشيت بدهليز طويل مظلم
موحش
بينما سمعت المؤذن يقيم الصلاه
كان صوته بعيدا
الممر مظلم
لم اصل لاخره بعد
تلمست ما حولي
فلامست يدي جدارا
لعله يوصلني لنور
او
قبس من نور
الجدار بدأ ملمسه ينعم
بينما
صوت المؤذن يقترب
اكثر
اكثر
في عتمة الممر
يد ثقيلة على كتفي
لا
لا
لا
بعد لم اصلي
بعد لم اعثر على قبر جدي
لا
لا
لا
لا
عندما سمعت صوتا
ام مصطفى
ام مصطفى
فتحت عيني
قد كان زوجي يوقظني لصلاه الفجر
سما مصطفى